لذّة العيش اختلاس!
_ قال: لم
تكن تسير الأمور على ما يرام.. هذا هو جوابي المعتاد حين أسأل نفسي عن كل هذه
الغربة التي بداخلي. لكنني في لحظةٍ ما، سقطت منّي حقيقة أن الحزن الذي بداخلي لا
يأتي من الأحداث و الأمور_تلك خديعة الحياة_، إنّ الغربة التي بداخلي أتت طيلة هذه
السنين من الوحش الذي يسكنني. أشعر به دائمًا.. أشعره.. أشعرني.. فأجد أني لست على
ما يرام!
_ فقلت: من المخيف التوقف عن التفكير و
التفكّر لمجرد أن في الحياة ألم. ألا تتفق معي؟ ألا تجد أن من الصادم أن تتعب من
كثرة التفاصيل، وأنت نفسك كنتَ تستلذّ بكل تفصيل بتفصيله؟
كنتَ تجلس مع نفسك و تنتشي من أثر سحر
التفاصيل، و روعة رسائل الحياة التي ترسلها لنا من حين إلى حين! أعلم أن الحياة
يتخللها ألم و فقدان، لكنني أعلم أن الوحش الذي بداخلنا هو من صنع أيدينا!!
تحدثني عن الغربة التي بداخلك، قل لغربتكَ
أنني أؤمن بالجوهر النابض الحيّ فينا.. أؤمن به حدّ اليقين!
_فقال: وأنا المفتون بالتفاصيل. لا نستلذ بها
بقدر ما نتألم منها.. أتألم في كل مرة عن كل أولئك الذين لا يعنيهم تبعات ما
يتفوهون به، أتألم في كل مرة أرى طفلًا يجلس على قارعة الطريق يبكي جوعًا أو
بردًا، أتألم في كل مرة أرى فيها طوابير النازحين من حربٍ و قصف.. عن أي لذة
تتكلمين؟ نحن الذين نحمل تبعات كل قصة و كل حدث عابر.. نحن الذين نحفل بذكرياتهم و
آخر ما تبقى منهم و معهم. ثمةَ فقدٌ يسكننا وفقدٌ لا يعنيه كل هذا الغرق، هو عبر و
اجتازنا و انتهى. ربما ما يواسيني على مُرِّ هذه الحياة.. أن كل شيء إلى زوال! هي
فانية.. هي فانية..
_ فقلت: هذه ضريبة جامعي الأمل من كل صوب، يهمّوا
لفتات الحدث من أجل تفاصيل لا تعني أحد سواهم! فيدركوا مدى عمق الثقب الذي يرافق
صدورهم.
لا تحفل بكل ما مضى..
دعْ عنك هلوسات الحزن..
وامضِ بروحك الفردوسيّة إلى ملاذ الثائرين..
صدقَ أحمد مطر عندما قال في قصيدته
"حريّة":
" حينما اقتيد أسيرا
قفزت دمعته
ضاحكة:
ها قد تحررتُ أخيرا! "
هذا و هذه، أو لنقل: هذه و هذا.. ليسا إلّا
بعضًا منّي. هما أنا؛ كلاهما بوجيهمها يسكنان داخلي. أو ربما هذان الجانبان يمكثان في كُلّ منّا، بحالتيهما: المتشائم و المتفائل!
قولوا عنهما " حديث النفس"، أو
قولوا عنهما ما تريدون.. لكن أؤمن بأن الحياة تحمل في داخلها يسرٌ و عسر، فرحٌ و
حزن، انفراج و ضيق صدر، نجاح و إخفاق، صعود و هبوط..
الحياة لا تعرف لونًا واحدًا..
كما نحن..
و صدق من قال: " لذّة العيش
اختلاس!"
والسلام..
تعليقات
إرسال تعليق